ترامب.. التهديد والفرصة

ترامب.. التهديد والفرصة
أقلام وآراء

بقلم/عبدالله مغاري

مرة أخرى، يصرح ترامب بشأن تهجير سكان غزة، لكن هذه التصريحات التي بدت في المرة الأولى وكأنها مجرد أفكار تًنثر بالهواء، جاءت هذه المرة على شكل خطة تعدت نقل السكان ووصلت لاحتلال أمريكي للقطاع واستبدال سكانه بآخرين من بلدان عدة، بعدما يُحول القطاع المنكوب إلى "ريفييرا الشرق الأوسط" كما يقول الرئيس الأمريكي.

ترامب ليس جاهلًا بحقيقة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي كما يعتقد البعض، لكن رجل الصفقات ما زال يؤمن بأن أفكاره المجنونة يمكن أن تنهي عقودًا من الصراع، يعتقد ترامب أن الفلسطينيين يمكن ان يصبحوا مثل اليهود يسكنون أي بلد آخر تتوفر فيه الحياة الرغيدة وتُزرع فيه الأوهام كما حصل عام 48، ويعتقد أيضًا أن غزة عقار كما وصفها يمكن الاستثمار فيه.

ربما لو سألنا حتى الإسرائيليين أصحاب التجربة الأطول مع الفلسطيني المتشبث بأرضه عن خطة ترامب وطلبنا منهم الإجابة بصراحة، سيصفون هذه الخطة بغير الواقعية وسيجزمون بغير قابليتها للتنفيذ، نعم هم باركوها وأثنوا على ترامب وخطته، لكن ذلك جاء لأن عنوان الخطة هو التهجير الذي ينسجم مع تطلعاتهم الاحتلالية، وهي تشكل أرضية لهم لتنفيذ أي مخطط آخر يكون أساسه سلب الأرض تماما كما يخططون في الضفة المحتلة، وتؤكد التقارير العبرية التي نُشرت بعد تصريحات ترامب أن الإسرائيليين يتطلعون إلى الضفة ولم تلفت انتباههم غزة على الرغم من هذه الخطة غير المتوقعة.

بعيدًا عن كل ما سبق، وبالرغم من أننا متأكدون من أن خطة ترامب مصيرها الفشل، علينا أن نأخذها على محمل الجد، ونتعامل معها وكأنها ستنجح وأكثر، فقط لأننا ندرك أنها تشكل السقف الأعلى لما يمكن أن يحدث وأن تحت هذا السقف هناك الكثير من التفاصيل التي يسعى الاحتلال إلى تنفيذها، بدءًا من تخفيف أعداد سكان غزة وصولًا إلى القضاء على حلم الدولة الفلسطينية.

في غزة، لن تنتظر "إسرائيل" يوما واحدا وستبدأ العمل لتحقيق أقصى ما يمكن تحقيقه من هذه الخطة، إن كانت تماطل في تنفيذ "البروتوكول الإنساني" الملحق للصفقة، فإنها ستعمل على الغائه، لأنها تريد للناس في غزة أن تيأس من الحياة بين الركام، ومن ثم فإنها ستتهرب من استحقاق المرحلة الثانية من الصفقة والتي وفقًا للمخطط ستشمل إدارة غزة وإعمارها، وهذا ما يخالف الخطة الجديدة لترامب، أي أن المرحلة الثانية من الصفقة باتت أكثر ضبابية، وأصبح احتمال العودة للحرب واردًا بعدما كان مستبعدًا، لكن ليس بالضرورة الحرب كما شهدناها على مدار 15 شهرًا إنما بشكل آخر.

 وفي الضفة ستواصل "إسرائيل" تمهيد الطريق أمام الضم وتسارع من وثيرة ذلك، ذلك لأن ترامب لم يستبعد أن يعلن ضم الضفة لإسرائيل إنما قال إنه يدرس ذلك، وبجانب ذلك ستواصل حكومة اليمين تحطيم السلطة الفلسطينية ومحاصرتها بما يمهد الطريق لإنهاء أي جسم فلسطين حاكم.

 أمام ذلك، ماذا علينا أن نفعل؟ هناك تهديد اسمه ترامب، لم يأت ليأخذ القدس كما فعل في ولايته السابقة، ولا يحمل حتى تصورًا لإقامة دولة فلسطينية كما كان يحمل في صفقة القرن، بل يأتي كي يقضي على الوجود الفلسطيني، هو جاء لينهي شيء اسمه فلسطين وفلسطينيون.

إن ما علينا فعله هو تحويل التهديد إلى فرصة، هناك تهديد للفلسطينيين، وهناك تهديد للجارتين مصر والأردن، وهناك تهديد حتى للسعودية التي قد يجري ابتزازها لتقبل بالتنازل عن شرط إقامة دولة فلسطينية مقابل التطبيع مع "إسرائيل"، وهناك تهديد لدول أخرى قد يظهر على السطح قريبًا بسبب خطة الرئيس الأمريكي، هناك تهديد أسمه ترامب يجب أن نحوله إلى فرصة.

كيف يمكن ان يُحول هذا المجنون إلى فرصة؟، قبل أن نحاول ذلك، بات لزامًا علينا أن نحصن البيت الفلسطيني قبل أن يُهدم على رؤوسنا، علينا أن نفرض واقعًا داخليًا جديدًا على الأرض، نبدأ من منظمة التحرير التي يجب أن تصبح جسمًا يضم الجميع بما في ذلك حماس والجهاد، علينا أن نختار رئيسًا جديدًا، حكومة جديدة، وزراء يمارسون صلاحياتهم بالضفة وغزة، هذه ليست أمنيات ولا شعارات هذه استحقاقات، إذا لم تفعلها القيادة السياسية للفصائل فعلينا النزول إلى الشوارع المدمرة في غزة والمقطعة بالضفة كي نفرض واقعًا جديدًا فلسطينيًا بامتياز.

أما عن ترامب، فهذا التهديد يجب أن يُحول إلى فرصة، علينا أولًا استثمار رغبة ترامب بإحداث انجاز كبير بالشرق الأوسط، واستثمار قدرته الكبيرة بالتأثير على دول المنطقة وسلطته الواضحة على إسرائيل لفرض حل سياسي شامل ومقبول للجميع حتى لو كان مربوطًا بسقف زمني محدد.

تبنى ترامب ما قدمته له إسرائيل بل أعطاها فوق ما تحلم، ليس لولائه لها فقط ، بل لأن لا أحد يسوق مشاريعه أمامه سوى اليهود، علينا هذه المرة أن نحمل الأفكار وننقلها له، هو رجل الصفقات الذي لديه أطماع بالشرق الأوسط ،علينا نحن أن نقدم له صفقة فيها حل لقضيتنا الأكثر عدالة.

 مطلوب من حماس أن تتنازل علنًا عن حكم غزة، ومطلوب من السلطة أن تصلح حالها وتغير رأس الهرم وتفرض واقعًا حكوميًا على الأرض في غزة، ومطلوب رؤية سياسية تقدم الحل وتستند إلى أوراق القوة التي تحملها الدول العربية المُهددة من خطة ترامب أولها مصر وأهمها السعودية، مطلوب أن نقدم نحن الصفقة لترامب لا أن نُقدم قربانًا له.

التعليقات : 0

إضافة تعليق